"شَرِيطُ الذَّاكِرَة"
شتَاءُ ومَطَرُ وقَصِيدَةٌ...
قهوَةٌ ساخنَةٌ ومنضدَةٌ منزويَةٌ
في مقهى وجريدة..
تذكرةٌ مجانيَةٌ للسفرِ عَبْر خطوطِ الشوقِ
إلى آخر نقطةٍ في محيطِ الذاكرة..
هناك حَيْثُ يتبتلُ الحنينُ في محرابِ الصمتِ ..
والعناقُ يتأبطُ لقاء مرتقب..
والمَوْعِدُ يذْرِفُ الإنتظارَ على حافة الغيابِ..
َتَذَكَّرتُ بأنَّ شوارعَ ذاكرتي ليستْ مُعَبَّدَةٌ..ومنعطفاتها خطيرَةٌ...قد ينزلقُ بي الحنينُ لِمُجَرَّدِ هفوة شوق عابرة..
تَذَكَّرتُُ أيضًا بأن دهاليزها شائكةً وأروقتها
مهترئَةً..
ظننتُ لوَهْلَةٍ بأنَّ صفعاتَ الخذلانِ قد
غزلتْ حول رمادِ مواعيدي شرنقة ًمِنْ التناسي..
كنتُ غبيًا حين وقعتُ في فخاخِ البوحِ
إذ لسعتني عَقَارِبُ ساعة الذكرى فلتهبتْ شَغَافُ قلبي..
ركضتُ إلى حافة الندمِ أبْحَثُ عن ترياق مِنْ النسيانِ قد يُوْقِفُ لهيب ذلك الحنين المسعور في دمي..
وقفتُ على هاوية الوجع استلطِفُ غيماتَ أحداقي علّها تُمطرني بصيَّبٍ مِنْ الدمعِ فلربما لامستْ ملوحتها حواف جرحي فأصحو من نشوة سُكْري...
قلتُ في نفسي:"ما الذي يجعلنا نَشْتاقُ لأشياء قد
رحلتْ رغم إيماننا الجازم بأنَّ الماضي كشهقة الموت
ِوَجَعُ لايَتَكَرَّرُ مرتين"
فأجابني صَوْتٌ خافتٌ قَادِمٌ من حقولِ
ذاكرتي مع الريحِ:
"الحاضِرُ شَيْخُوخَة الماضي،والشيخوخة نَزيفٌ للحُلْمِ،
فإِنْ جفتْ الأحلامُ يومًا تبخرَ ذلك الشبقُ المتقد على براعمِ اللحظة"
ربما فلسفة الإجابة لم تقنعني لوَهْلَةٍ
لكنني على قناعةٍ تامةٍ بأنَّ
مطرَ الشوقِ عندما يسقط على يَبَابِ العاطفة
حتمًا ستحبلُ الذَّاكِرَةُ بالحنينِ
حِينَئِذٍ ستُتهم الذَّاكِرَةُ بارتكاب الفاحشة
وسيغدو الحنينُ غَيْر شرعي في نظرِ الواقع.
ثمة لحظات نشْعِرُ فيها بالحنينِ لأشياء رحلتْ منذو زمن،لايمكننا فك ارتباطنا بها مهما حاولنا أنْ نوصدَ عليها أبوابَ النسيانِ،
ربماقد تُصْبِحُ مزيجًا ضِمْنَ خارطتنا الوراثية،
بل ربما قد يطرأ عليها تحور مُسْتَمِرٌّ يصعب علينا وسمها وتتبعها إذ أصبحتْ مكونًا أساسيًا في حمضنا النووي.
وبينما أنا غَارِقٌ في دوامة التفكيرِ،مُتَخَبِّطٌ في شراكِ الصمتِ،اصفر وجهي،وتخاذلتْ أعضائي،
مددتُ يدي إلى المقعدِ المجاورِ فاعتمدتُ عليه وأنا أردد بصوت خافت متهافت:
"ليتنا نتْقِنُ فنَ النسيانِ كما نتْقِنُ فنَ استرجاعِ الماضي على شريطِ الذاكرة"
قَبَّلتُ شفاة قهوتي وقد أخذتْ منها البرودة
مأخذًا..تبسمتُ بامتعاض وتضجر
وأطلقتُ زفرَةً طويلَةً من أعماقِ رئتي..
وأنا أُتَمْتِمُ بصوت مبهم:
"نتعرى على شواطئ الماضي ونحن نبتسم،
وبعد أن تجرفنا موجاتُ الحنينِ إلى أعماقِ الذاكرة،
نغْرَقُ في لُجٌّة الوجعِ ونحن ندمع"
أشعلتُ سجارتي وارتديتُ معطفي الشتوي ثم
خرجتُ أهذي وحيدًا لايسمعني سوى إناراتُ الشوارعِ
ولوحةٌ بجواْرِ محطة بنزين،كُتب عليها:
"ممنوع التدخين"
---------------------------------
"عبده الصلاحي"
12/12/2017
التسميات: فصحى
0 Comments:
رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية
إرسال تعليق